قيادة المرأة للسيارة في السعودية- قضية اجتماعية أم قمع للمرأة؟
المؤلف: عزيزة المانع08.08.2025

خلال شهر سبتمبر الفائت، استضاف المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن اجتماعًا حافلًا، شهد حضور وزير الخارجية عادل الجبير الذي ألقى كلمة أمام حشد من المهتمين بقضايا الشرق الأوسط، إضافة إلى نخبة من الإعلاميين والطلاب. عقب ذلك، فُتح باب النقاش، فوجهت إحدى الطالبات السعوديات المبتعثات سؤالًا لمعالي الوزير، استفسرت فيه عن الأسباب الكامنة وراء تحفظ المملكة على السماح للمرأة بقيادة السيارة. أجاب الوزير قائلًا: "لا يوجد في المملكة قانون يمنع المرأة من قيادة السيارة، والمسألة قضية اجتماعية يجب على المجتمع معالجتها"! وبطبيعة الحال، كان هذا الرد خاليًا من الإقناع، ولكن ماذا كان يمكن أن يقول غير ذلك؟!
وبغض النظر عن عدم لباقة الطالبة، التي لم توفق في اختيارها لطرح قضية حساسة للمملكة في محفل يكتظ بالإعلاميين والأجانب، فإن ما يهمنا هنا هو هذا الرد النمطي الذي يتردد على لسان كل مسؤول عند سؤاله عن سبب منع المرأة من قيادة السيارة.
القول بأنه لا يوجد قانون يمنع المرأة من القيادة، هو وإن كان صحيحًا من الناحية الشكلية، إلا أنه يفتقر إلى الدقة، فجميعنا يعلم أن أنظمة المرور لا تصدر رخص قيادة للسيدات. كما أن اعتبار قيادة المرأة للسيارة "قضية اجتماعية يتعين على المجتمع التعامل معها" يثير تساؤلًا جوهريًا: لماذا أصبحت قيادة المرأة للسيارة قضية اجتماعية تخضع لرأي المجتمع، بينما استثنيت من ذلك قضايا أخرى جمة، كمنح المرأة بطاقة هوية مستقلة، وإرسال الفتيات للدراسة في الخارج، وفتح آفاق العمل المتنوعة للنساء، وعمل المرأة مذيعة ومقدمة برامج في القنوات الفضائية، وعضويتها في مجالس الغرف التجارية، والمجالس البلدية، ومجلس الشورى، وغيرها من المجالات الجديدة التي فُتحت للمرأة؟ إن جميع هذه القضايا حُسمت دون انتظار لاستطلاع رأي المجتمع.
علاوة على ذلك، كيف تم استقصاء رأي المجتمع؟ ما هي الآلية المستخدمة في قياسه؟ نحن في إدارتنا الاجتماعية لا نعتمد نظام التصويت في اتخاذ القرارات والأنظمة، وإنما تصدر القرارات بناءً على اجتهادات المسؤولين وتقييمهم لما فيه مصلحة المجتمع.
من البديهي أن هناك بعض أفراد المجتمع ممن يعارضون قيادة المرأة للسيارة لأسباب يرونها منطقية، ولكن ما ذنب الطرف الآخر الذي لا يعارض، حتى يُحرم مما يرغب فيه؟ لماذا يعلو صوت المعارضين على صوت المؤيدين؟ خاصة وأن السماح للمرأة بالقيادة لا يعني إجبار جميع النساء على ممارستها، فمن لا ترغب في ذلك، فبإمكانها الامتناع.
إن إصرار المرور على عدم منح المرأة رخصة قيادة، هو تمسك بنظام إداري لا يستند إلى أساس ديني، ولا تفرضه أي ضرورة نفعية، وفي الوقت ذاته يبدو أمرًا شاذًا ومستغربًا، فالمملكة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحظر على النساء قيادة السيارة، مما يسبب لها حرجًا في المحافل الدولية عند طرح مثل هذا السؤال الذي وجهته تلك الطالبة، والذي يحمل في طياته إساءة لصورة المملكة الحضارية في الخارج، حيث لا يُفهم من هذا الحظر سوى أنه شكل من أشكال قمع المرأة، لا أكثر.
قد يرى البعض أن حظر قيادة السيارة على النساء أمر ثانوي، إلا أنه يحمل تأثيرًا إعلاميًا قويًا قادرًا على طمس جميع الجهود التي بذلتها وتبذلها المملكة في دعم المرأة وتمكينها، حتى لا تتوارى جميع مظاهر التقدم التي حققتها المرأة في التعليم والعمل وتكافؤ الفرص الاجتماعية وغيرها، وتبقى صورة القمع والتسلط هي المهيمنة.